سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قلت: قال ابن جزي: هذه الآية متصلة المعنى بقوله: {وما أُوتيتم من العلم إلا قليلاً} أي: في قدرتنا أن نذهب بالذي أوحينا إليك، فلا يبقى عندكم شيء من العلم. اهـ. {إلا رحمة}: يحتمل أن يكون متصلاً، أي: لا تجد من يتوكل برده إلا رحمة ربك. أو منقطعًا، أي: لو شئنا لذهبنا بالقرآن، لكن رحمة من ربك تمسكه من الذهاب، و{لا يأتون}: جواب القسم؛ الدال عليه اللام الموطئة، وسد مسد جواب الشرط. ولولا اللام لكان جوابًا للشرط، ولم يُجزَمْ؛ لكون الشرط ماضيًا، كقول زهير:
فإن أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسألَةٍ *** يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَا لي وَلاَ حَرَمُ
و{إلا كفورًا}: استثناء مفرغ منصوب بأَبَى؛ لأنه في معنى النفي، أي: ما رضي أكثرهم إلا الكفر به.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {ولئنْ شئنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أوْحَينا إِليك} أي: بالقرآن الذي هو منبع العلوم التي أُوتيتموها، ومقتبس الأنوار، فلا يبقى عندكم من العلم إلا قليلاً. والمراد بالإذهاب: المحو من المصاحف والصدور. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (أول ما تفقدون من دينكم: الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، وليصلين قوم ولا دين لهم. وإن هذا القرآن تصبحون يومًا وما فيكم منه شيء. فقال رجل: كيف ذلك، وقد أثبتناه في قلوبنا، ودونّاه في مصاحفنا، وعلمناه أبناءنا، وأبناؤنا يعلمه أبناءهم؟! فقال: يسري عليه، ليلاً، فيُصبح الناس منه فقراء، ترفع المصاحف، وينزع ما في القلوب). {ثم} إن رفعناه {لا تجدُ لك به} أي: القرآن {علينا وكيلاً} أي: من يتوكل علينا استرداده مسطورًا محفوظًا، {إلا رحمةً من ربك}؛ فإنها إن تأتك لعلها تسترده، أو: لكن رحمة من ربك أمسكته؛ فلم يذهب. {إِنَّ فضله كان عليك كبيرًا}، كإرْسالك للناس كافة وإنزال الكتاب عليك، وإنعامه في حفظك، وغير ذلك مما لا يحصى.
ثم نوّه بقدر الكتاب الذي أنزله فقال: {قل لئن اجتمعت الإِنسُ والجِنُّ}، واتفقوا {على أن يأتوا بمثْلِ هذا القرآنِ} المنعوت بما لا تدركه العقول من النعوت الجليلة في البلاغة، وحسن النظم، وكمال المعنى، {لا يأتون بِمثله} أبدًا؛ لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة، والمعاني العجيبة، التي لم يكن لأحد بها علم، ثم جاءت فيه على الكمال، ولذلك عجزوا عن معارضته. وقال أكثر الناس: إنما عجزوا عنه؛ لفصاحته، وبراعته، وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة. وإنما خص الثقلين بالذكر، لأن المنكر كونه من عند الله منهما، لا لأنَّ غيرهما قادر على المعارضة. وإنما أظهر في محل الإضمار، ولم يقل: لا يأتون به؛ لئلا يتوهم أن له مثلاً معينًا، وإيذانًا بأن المراد نفي الإتيان بمثَلٍ مَّا، أي: لا يأتون بكلام مماثل له فيما ذكر من الصفات البديعة، وفيهم العرب العاربة، أرباب البراعة والبيان.
فلا يقدرون على الإتيان بمثله {ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيرًا} أي: ولو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان بمثله ما قدروا. وهو عطف على مقدر، أي: لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم ظهيرًا لبعض، ولو كان... الخ. ومحله النصب على الحالية، أي: لا يأتون بمثله على كل حال مفروض، ولو على هذه الحالة.
ثم قال تعالى: {ولقد صَرَّفنا} أي: كررنا ورددنا على أنحاء مختلفة، توجب زيادة تقرير وبيان، ووكادة رسوخ واطمئنان، {للناس في هذا القرآن} المنعوت بما ذكر من النعوت الفاضلة، {من كل مَثَلٍ}؛ من كل معنى بديع، هو، في الحسن والغرابة واستجلاب الأنفس، كالمثل؛ ليتلقوه بالقبول، أو بيَّنَّا لهم كل شيء محتاجون إليه من العلوم النافعة، والبراهين القاطعة، والحجج الواضحة. وهذا يدل على أن إعجاز القرآن هو بما فيه من المعاني والعلوم، {فَأَبَى أكثرُ الناس إِلا كُفورًا}؛ إلا جحودًا وامتناعًا من قبوله. وفيه من المبالغة ما ليس في نفي مطلق الإيمان؛ لأن فيه دلالة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفور والجحود، وأنهم بالغوا في عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الإباء. وبالله التوفيق.
الإشارة: كما وقع التخويف بإذهاب خصوصية النبوة والرسالة، يقع التخويف بإذهاب خصوصية الولاية والمعرفة العيانية، فإن القلوب بيد الله، يُقلبها كيف يشاء. والخصوصية أمانة مودعة في القلوب، فإذا شاء رفعها رفَعها، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره. وما زالت الأكابر يخافون من السلب بعد العطاء، ويشدون أيديهم على الأدب؛ لأن سوء الأدب هو سبب رفع الخصوصية، والعياذ بالله.
قال القشيري: سُنَّةُ الحقِّ مع خيار خواصه؛ أن يُدِيم هم شهود افتقارهم إليه؛ ليكونوا في جميع الأحوال مُنْقادين بجريانِ حُكْمِه، ثم قال: والمرادُ والمقصودُ: إدامة تَفَرُّدِ سِرِّ حبيبه به، دونَ غيره. اهـ. وأما سلب الأولياء بعضهم لبعض فلا يكون في خصوصية المعرفة بعد التمكين، إذ لا مانع لما أعطى الكريم، وإنما يكون في خصوصية التصريف وسر الأسماء، إذا كان أحدهما متمكنًا فيه، وقابل من لم يتمكن، قد ينجذب إلى القوى بإذن الله، وقد يُزال منه إذا طغى به. والله تعالى أعلم.


قلت: من قرأ {كسفًا}؛ بالتحريك: فهو جمع. ومن قرأ بالسكون: فمفرد. و{قبيلاً}: حال من {الله}. وحذف حال الملائكة؛ لدلالة الأول عليه. و{أن يؤمنوا}: مفعول ثان لمنَع. و{إلا أن قالوا}: فاعل {منع}.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {وقالوا} أي: كفار قريش، عند ظهور عجزهم، ووضوح مغلوبيتهم بالإعجاز التنزيلي، وغيره من المعجزات الباهرة، معلِّلين بما لا يمكن في العادة وجوده، ولا تقتضي الحكمة وقوعه، من الأمور الخارقة للعادة، كما هو ديدن المبهوت المحجوج، قالوا للنبي- عليه الصلاة والسلام- في جمع من أشرافهم: إن مكة قليلة الماء، ففجر لنا فيها عينًا من ماء، وهو معنى قوله تعالى: {لن نُؤمن لك حتى تَفْجُرَ لنا من الأرض}؛ أرض مكة {يَنْبوعًا}؛ عينًا لا ينشف ماؤها. وينبوع: يفعول، من نبع الماء إذا خرج.
{أو تكون لك جنَّةٌ} أي: بستان يستر أشجاره ما تحتها من العرصة، {من نخيلٍ وعِنَبٍ فتفجرَ الأنهارَ} أي: تجريها بقوة، {خلالها}؛ في وسطها {تفجيرًا} كثيرًا، والمراد: إما إجراء الأنهار خلالها عند سقيها، أو إدامة إجرائها، كما ينبئ عنه الفاء، {أو تُسْقِطَ السماء كما زعمتَ علينا كِسَفًا}؛ قطعًا متعددة، أو قطعًا واحدًا، و{كما زعمت}: يعنون بذلك قوله تعالى: {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء} [سبأ: 9]، {أو تأتي بالله والملائكة قَبيلاً} أي: مقابلاً؛ نُعاينه جهرًا، أو ضامنًا وكفيلاً يشهد بصحة ما تدعيه، {أو يكون لك بيتٌ من زُخرفٍ} أي: ذهب. وقرئ به. وأصل الزخرفة: الزينة، {أو تَرْقَى في السماء} أي: في معارجها؛ فحذف المضاف. {ولن نُؤمن لرُقيك} أي: لأجل رُقيك فيها وحده {حتى تنزل} منها {علينا كتابًا} فيه تصديقك، {نقرؤه} نحن، من غير أن يتلقى من قبلك. وعن ابن عباس رضي الله عنه: قال عَبْدُ اللهِ بنُ أُميَّة لرسول صلى الله عليه وسلم- وكان ابن عمته-: لن أؤمن لكَ حَتَّى تتَّخذَ إلى السماء سُلَّمًا، ثم ترقى فيه وأنا أنظر، حتَّى تأتيها، وتأتي معك بصك منشور، معه أربعة من الملائِكَةِ يَشْهَدُونَ أنك كما تقول. اهـ. ثم أسلم عبد الله بعد ذلك. ولم يقصدوا بتلك الاقتراحات الباطلة إلا العناد واللجاج. ولو أنهم أوتوا أضعاف ما اقترحوا من الآيات، ما زادهم ذلك إلا مكابرة. وإلا فقد يكفيهم بعض ما شهدوا من المعجزات، التي تخر لها صُم الجبال.
قال تعالى لنبيه- عليه الصلاة والسلام-: {قلْ}؛ تعجبًا من شدة شكيمتهم. وفي رواية قال: {سبحان ربي}؛ تنزيهًا له من أن يتحكم عليه أو يشاركه أحد في قدرته.
أو تنزيهًا لساحته- سبحانه- عما لا يليق بها، من مِثل هذه الاقتراحات الشنيعة، التي تكاد السماوات يتفطرن منها، أو عن طلب ذلك، تنبيهًا على بطلان ما قالوه، {هل كنتُ إِلا بشرًا} لا مَلَكًا، حتى يتصور مني الرقي في السماء ونحوه، {رسولاً}؛ مأمورًا من قِبل ربي بتبليغ الرسالة، كسائر الرسل. وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله على أيديهم، حسبما يلائم حال قومهم، ولم يكن أمر الآيات إليهم، ولا لهم أن يتحكموا على ربهم بشيء منها.
{وما مَنَعَ الناسَ} أي: الذين حكِيتْ أباطيلهم، {أنْ يُؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى} أي: الوحي، وهو ظرف لمنع، أو يؤمنوا، أي: وما منعهم وقت مجيء الوحي المقرون بالمعجزات المستدعية للإيمان، أن يؤمنوا بالقرآن وبنبوتك، {إلا أن قالوا} أي: إلا قولهم: {أَبَعثَ اللهُ بشرًا رسولاً}، منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر. وليس المراد أن هذا القول صدر من بعضهم؛ فمنع بعضًا آخر منهم، بل المانع هو الاعتقاد الشامل للكل، المستتبع بهذا المقول منهم. وإنما عبَّر عنه بالقول؛ إيذانًا بأنه مجرد قول يقولونه بأفواههم من غير روية، ولا مصداق له في الخارج. وقصر المانع من الإيمان فيما ذكر، مع أن لهم موانع شتى، إما لأنه معظمها، أو لأنه المانع بحسب الحال، أعني: عند سماع الجواب بقوله تعالى: {هل كنتُ إِلا بشرًا رسولاً}؛ إذ هو الذي يتشبثون به حينئذ، من غير أن يخطر ببالهم شبهة أخرى من شبههم الواهية.
{قلْ} لهم من قِبَلنا؛ تثبيتًا للحكمة، وتحقيقًا للحق المزيح للريب: {لو كان} أي: لو وُجد واستقر {في الأرض}؛ بدل البشر {ملائكةً يمشونَ مطمئنين} قارين ساكنين فيها، {لنزَّلنا عليهم من السماء مَلكًا رسولاً} يهديهم إلى الحق؛ لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه. وأما عامة البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضة مع الملائكة؛ لأنها منوطة بالتناسُب والتجانس، فبعث الملائكة إليهم مناقض للحكمة التي يدور عليها أمر التكوين والتشريع. وإنما يبعث الملك إلى الخواص، المختصين بالنفوس الزكية، المؤيدة بالقوة القدسية، فيتلقون منهم ويُبلغون إلى البشر.
{قل كفى بالله} وحده {شهيدًا} على أني أديتُ ما عليَّ من مواجب الرسالة، وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد. فهو شهيد {بيني وبينكم}، وكفى به شهيدًا، ولم يقل: بيننا؛ تحقيقًا للمفارقة، وإبانة للمباينة، {إِنه كان بعباده} من الرسل والمرسل إليهم، {خبيرًا بصيرًا}؛ محيطًا بظواهر أعمالهم وبواطنها، فيجازيهم على ذلك. وهو تعليل للكفاية. وفيه تسلية للرسول- عليه الصلاة والسلام- وتهديد للكفار، والله تعالى أعلم.
الإشارة: طلب الكرامات من الأولياء جهل بطريق الولاية، وسوء الظن بهم، إذ لا يشترط في تحقيق الولاية ظهور الكرامة، وأيُّ كرامة أعظم من كشف الحجاب بينهم وبين محبوبهم، حتى عاينوه وشاهدوه حقًا، وارتفعت عنهم الشكوك والأوهام، وصار شهود الحق عندهم ضروريًا، ووجود السِّوَى محالاً ضروريًا، فلا كرامة أعظم من هذه؟ وكلامنا مع العارفين، وأما الصالحون والعباد والزهاد فهم محتاجون إلى الكرامة؛ ليزداد إيقانهم، وتطمئن نفوسهم؛ إذ لم يرتفع عنهم الحجاب، ولم تنقشع عنهم سحابة الأثر.


قلت: {على وجوههم}: حال من ضمير {نحشرهم}. و{عُميًا} الخ: حال أيضًا من ضمير {وجوههم}. و{مأواهم}: استئناف، وكذا: {كلما} إلخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {ومَن يَهدِ اللهُ} إلى الحق الذي جاء من قبله على أيدي الرسل، {فهو المهتد} إليه، وإلى ما يؤدي إليه من الثواب، أو فهو المهتدي إلى كل مطلوب، {ومن يُضلل} أي: يخلق فيه الضلال، كهؤلاء المعاندين، {فلن تجد لهم أولياء من دونه} ينصرونهم من عذابه، أو يُهدونهم إلى طريقه، ويُوصلونهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية. ووحد الضمير أولاً في قوله: {فهو المهتد}: مراعاة للفظ {من}، وجمع ثانيًا في {لهم}؛ مراعاة لمعناها: تلويحًا بوحدة طريق الحق، وتعدد طرق الضلال.
{ونحشرُهم}، فيه التفات من الغيبة إلى التكلم؛ إيذانًا بكمال الاعتناء بأمر الحشر، أي: ونسوقهم {يوم القيامة على وجوههم} أي: كابين عليها؛ سَحْبًا، كقوله {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48]، أو: مشيًا إلى المحشر بعد القيام، فقد رُوي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «الذِي أمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ» حال كونهم {عُمْيًا وبُكمًا وصُمًّا}؛ لا يُبصرون ما يقر أعينهم، ولا ينطقون بما يُقبل منهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم، لمَّا كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبر، ولا ينطقون بالحق ولا يستمعونه. ويجوز أن يُحشروا، بعد الحساب، من الموقف إلى النار، مَؤُوفي القوى والحواس. وأن يُحشروا كذلك، ثم تعاد إليهم قواهم وحواسهم، فإنَّ إدراكاتهم بهذه المشاعر في بعض المواطن مما لا ريب فيه.
{مأواهم جهنم}؛ هي مسكنهم، {كلما خَبَتْ}؛ خمدت {زدناهم سعيرًا}؛ توقدًا، أي: كلما سكن لهبها، وأكلت جلودهم ولحومهم، ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار وتحرقه، زدناهم توقدًا؛ بأن بدلناهم جلودًا غيرها فعادت ملتهبة ومسعرة. ولعل ذلك عقوبة على إنكارهم البعث مرة بعد مرة، ليروها عيانًا، حيث لم يعلموها برهانًا، كما يُفصح عنه قوله: {ذلك} أي ذلك العذاب {جزاؤهم بأنهم}؛ بسبب أنهم {كفروا بآياتنا} العقلية والنقلية، الدالة على وقوع الإعادة دلالة واضحة. {وقالوا}؛ منكرين البعث أشد الإنكار: {أئذا كُنَّا عظامًا ورُفاتًا أَئِنا لمبعوثون خَلقًا جديدًا} أي: أنوجدُ خلقًا جديدًا بعد أن صِرنا ترابًا؟ و {خلقًا}: إما مصدر مؤكد من غير لفظه، أي: لمبعوثون مبعثًا جديدًا، أو حال، أي: مخلوقين مستأنفين.
الإشارة: من يهده الله إلى صريح المعرفة وسر الخصوصية فهو المهتد إليها، يهديه أولاً إلى صحبة أهلها، فإذا تربى وتهذب أشرقت عليه أنوارها. ومن يُضلله عنها، فلا ينظر ولا يهتدي إلى صحبة أهلها، فيُحشر يوم القيامة محجوبًا عن الله، كما عاش محجوبًا. يموت المرء على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه، لا يُبصر أسرار الذات في مظاهر النعيم، ولا ينطق بالمكالمة مع الرحمن الرحيم، ولا يسمع مكالمة الحق مع المقربين؛ وذلك بسبب إنكاره لأهل التربية في زمانه، وقال: لا يمكن أن يبعث الله من يحيي الأرواح الميتة بالجهل؛ بالمعرفة الكاملة. وفيه إنكار لعموم القدرة الأزلية، وتحجير على الحق. والله تعالى أعلم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13